الجيش يعد المائدة: مناوي وجبريل وجبة عابرة في صراع السلطة

بقلم / عمار نجم الدين ————————————————
في في صراع الأيدولوجيا المركزي ، لا مجال للصدفة. الجيش، بدهائه المُتراكم، يُتقن فن “البناء المسبق للقضايا” (Preemptive Case Building). بينما يتحرك الخصوم بأوهامهم، يُعد المسرح لإطاحتهم قبل أن يدركوا أنهم مجرد أوراق في لعبة أكبر.
مناوي وجبريل، بأحلامهم البراغماتية، يظنون أنهم شركاء في اللعبة، لكن الجيش يتغدى بهم قبل أن يفكروا حتى في تناول العشاء. كل تسريب، كل وثيقة، وكل مقال كل لايف من داعمي الجيش من رشان أوشي، الانصرافي، عبد الرحمن عمسيب، وعائشة الماجدي، ليس سوى خطوة جديدة لتأمين سقوطهم حين تنتهي أدوارهم المؤقتة.. من مصطفى تمبور، الذي قرر أن يتقمص دور الداعم المطلق للبرهان و أطلق عليه لقب “نيلسون مانديلا السودان” بلمسة درامية من الولاء المطلق، إلى مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، اللذين حوّلا حيادهما إلى صفقة مالية مربحة، يمكننا رؤية لعبة الشطرنج السياسي تتكشف أمامنا بسخرية لا تخلو من المأساة.
مصطفى تمبور، أحد رموز اتفاق سلام “مسار دارفور”، اختار أن يعرض ولاءه للجيش على طبق من ذهب الآن البرهان صنعه من لا شئ . منذ بداية حرب 15 أبريل، لم يكتفِ بالانحياز للجيش، بل أضفى على المشهد لمسة كوميدية بإطلاق لقب “نيلسون مانديلا السودان” على البرهان. وربما كان البرهان نفسه سيحتاج أعوامًا ليفهم لماذا اختير له هذا اللقب! تمبور، رغم إدراكه أن البرهان هو “رب العنصرية”، تبنّى شعار “نجهل فوق جهل الجاهلينا” ليصبح وجهًا إعلاميًا يحرس القضارف والفاو و يحارب في الجزيرة ، بعيدًا عن دارفور التي يدّعي أنه يقاتل لأجلها وأنه احد الموقعين في جوبا على اتفاق ( مسار دارفور ) كان مصطفى تمبور هو الفتى المدلل للبرهان و اعلاميه و قد لمسو فيه الوفاء المطلق لهم لهذا نرى ان وضعيته مختلفة و مكانته كذلك بالنسبة للجيش بل وصف في بداية الحرب مناوي وجبريل بالانتهازيين عندما قدم نفسه للبرهان .
أما مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، فتبدو قصتهم أشبه بمسرحية رديئة الإخراج. بدأوا الحرب على الحياد، ينتظرون من يضع العرض الأفضل، حتى جاءت اللحظة الحاسمة: أموال الحكومة دفعتهم فجأة إلى إعلان الولاء والدفاع عن دارفور بعد ثمانية اشهر من الحياد و سقوط كل اقليم دارفور بولاياته الخمسة في يد الدعم السريع . لكن حتى هذا “الانحياز” كان مفضوحًا بتسريبات صحفية وتصريحات علنية، أبرزها لقاء مناوي مع أحمد طه في الجزيرة، الذي أظهر بوضوح أن حيادهم السابق كان مجرد انتظار لسعر أعلى واسم الدلع له ( مخصصات )
بينما يحاول مناوي اللعب على الحبال، يبدو أن الجيش قد تعلّم درسًا قاسيًا من تجربة حميدتي بعد حرب 15 أبريل. تسليح مناوي وجبريل اليوم ليس أكثر من خطوة محسوبة، والجيش يدرك تمامًا طموحات مناوي البراغماتية، التي لخصها بشعاره: “شوية مع دول وشوية مع دول”. الجيش لا يثق بهذا التفكير السطحي والبدائي، ويعلم أن مناوي يطمح ليصبح “دعم سريع” جديد، مستخدمًا السلاح الذي حصل عليه من الجيش . لكن لسان حال الجيش واضح: (( الشاطر لا يقع في نفس الحفرة مرتين يا صديقي مناوي ههههههه))
ولهذا، بينما يحارب الجيش الدعم السريع، فإنه يضع في استراتيجيته احتمال أن يتحول مناوي إلى خصم جديد. الإعلام العسكري، بقيادة أسماء مثل رشان أوشي، الانصرافي، عبد الرحمن عمسيب، وعائشة الماجدي، يعمل بجد لتذكير الشارع بحقيقتهم. كل فترة تُسرب وثائق وتسجيلات تكشف ماضيهم في ليبيا وتصفهم كـ”مرتزقة”، وأنهم لم يدافعوا عن أهل دارفور و لم يدخلوا هذه الحرب مع جانب الجيش الى بعد ان اخذوا اموالاً ، في خطوة تهدف إلى تهيئة الجمهور لتقبل استبعادهم كأدوات مرحلية بمجرد انتهاء الأزمة.
ما يراه مناوي وجبريل طموحًا سياسيًا، ليس سوى فصل صغير في لعبة الجيش الكبرى. الجيش، بخبرته الطويلة وحنكته الاستراتيجية، لا يسمح بإعادة إنتاج تجربة حميدتي. مهما بدت تحركات مناوي وجبريل ذكية في أعينهم، فإنها مكشوفة تمامًا للجيش، الذي يخطط لتقديمهم كـ”متمردين جدد” في الوقت المناسب.
في النهاية، إذا كنت تظن أن السياسة السودانية لعبة نزيهة، فقط انظر إلى تمبور ولقبه العبثي للبرهان ( نيلسون مانديلا السودان ) ، أو مناوي وجبريل وحيادهم المؤقت الذي اشتروه بالدولار حسب تسريبات إعلاميي الجيش و ليس كاتب المقال . إنها مسرحية قديمة تتكرر فصولها يوميا على مسرح العبث السوداني .